فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} أي لست بمَلَك بل أنا من بني آدم.
قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع.
{يوحى إِلَيَّ} أي من السماء على أيدي الملائكة {أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ} {ف} آمنوا به و{فاستقيموا إِلَيْهِ} أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه، كما يقول الرجل: استقم إلى منزلك؛ أي لا تعرج على شيء غير القصد إلى منزلك.
{واستغفروه} أي من شرككم.
{وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} قال ابن عباس: لا يشهدون أن لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس.
وقال قتادة: لا يقرون بالزكاة أنها واجبة.
وقال الضحاك ومقاتل: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة.
قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره مع منع وجوب الزكاة عليه.
وقال الفراء وغيره: كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرّموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهم هذه الآية.
{وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون.
الزمخشري: فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونًا بالكفر بالآخرة؟ قلت: لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته ألا ترى إلى قوله عز وجل: {وَمَثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغاء مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 265] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم؛ وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا.
وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرِن بالكفر بالآخرة.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} قال ابن عباس: غير مقطوع؛ مأخوذ من مننت الحبل إذا قطعته؛ ومنه قول ذي الإصبع:
إِنِّي لَعَمْرُك ما بابي بِذِي غَلَقٍ ** على الصَّدِيقِ ولا خَيْرِي بِممنونِ

وقال آخر:
فَتَرَى خَلْفَها مِنَ الرَّجْعِ والْوَقْـ ** ـعِ مَنِينا كأَنَّهُ أَهْبَاء

يعني بالمَنِين الغبَار المنقطع الضعيف.
وعن ابن عباس أيضًا ومقاتل: غير منقوص.
ومنه المَنُون؛ لأنها تنقص منَّة الإنسانِ أي قوّته؛ وقاله قطرب؛ وأنشد قول زهير:
فضل الجِيادِ على الخيلِ البِطاءِ فَلاَ ** يُعْطِي بِذلِك مَمْنُونًا ولا نَزِقَا

قال الجوهري: والمنّ القطع، ويقال النقص؛ ومنه قوله تعالى: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}.
وقال لبِيد:
غبْسٌ كَوَاسِبُ لاَ يُمَنُّ طَعَامُها

وقال مجاهد: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير محسوب.
وقيل: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} عليهم به.
قال السدي: نزلت في الزَّمْنى والمَرْضَى والْهَرْمَى إذا ضعفوا عن الطاعة كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} لست ملكًا ولا جنيًا لا يمكنكم التلقي منه، وهو رد لقولهم: {بيننا وبينك حجاب} [فصلت: 5] {يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} أي ولا أدعوكم إلى ما عنه العقول وإنما أدعوكم إلى التوحيد الذي دلت عليه دلائل العقل وشهدت له شواهد السمع، وهذا جواب عن قولهم: {قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر} [فصلت: 5] {فاستقيموا إِلَيْهِ} فاستووا إليه تعالى بالتوحيد واخلاص العبادة ولا تتمسكوا بعرا الشرك وتقولوا لمن يدعوكم إلى التوحيد: قلوبنا في أكنة إلخ {واستغفروه} مما سلف منكم من القول والعمل وهذا وجه لا يخلو عن حسن في ربط الأمر بما قلبه، وفي إرشاد العقل السليم أي لست من جنس مغاير لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب وتباين مصحح لتباين الأعمال والاديان كما ينبىء عنه قولكم: {فاعلم إِنَّنَا عاملون} [فصلت: 5] بل إنما أن بشر مثلكم مأمور بما آمركم به حيث أخبرنا جميعًا بالتوحيد بخطاب جامع بيني وبينكم، فإن الخطاب في {ألهاكم} محكى منتظم للكل لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة كما في مثلكم وهو مبني على اختيار الوجه الأول في {فاعلم إِنَّنَا عاملون} ولا بأس به من هذه الجهة نعم فيه قصور من جهة أخرى، وقال صاحب الفرائد: ليس هذا جوابًا لقولهم إذ لا يقتضي أن يكون له جواب، وحاصله لا تتركهم وما يدينون لقولهم ذلك المقصود منه أن تتركهم، سلمنا أنه جواب كلن المراد منه أني بشر فلا أقدر أن أخرج قلوبكم من الأكنة وأرفع الحجاب من البين والوقر من الآذان ولكني أوحى إلي وأمرت بتبليغ {أَنَّمَا إلهكم إله واحد} وللإمام كلام قريب مما ذكر في حيز التسليم، وكلا الكلامين غير واف بجزالة النظم الكريم، وجعله الزمخشري جوابًا من أن المشركين طالما يتمسكون في رد النبوة بأن مدعيها بشر ويجب أن يكون ملكًا ولا يجوز أن يكون بشرًا ولذا لا يصغون إلى قول الرسول ولا يتفكرون فيه فقوله عليه الصلاة والسلام: إني لست بملك وإنما أنا بشر من باب القلب عليهم لا القول بالموجب ولا من الأسلوب الحكيم في شيء كما قيل كأنه صلى الله عليه وسلم قال: ما تمسكتم به في رد نبوتي من أني بشر هو الذي يصحح نبوتي إذ لا يحسن في الحكمة أن يرسل إليكم الملك فهذا يوجب قبولكم لا الرد والغلو في الأعراض.
وقوله: {يُوحِى إِلَىَّ إِنَّمَا إلهكم} تمهيد للمقصود من البعثة بعد إثبات النبوة أولًا مفصلًا بقوله تعالى: {حم} [فصلت: 1] الآيات ومجملًا ثانيًا بقوله: {يوحى إِلَىَّ} ثم قيل: {إِنَّمَا إلهكم} بيانًا للمقصود فقوله: {يُوحَى} إلى مسوق للتمهيد، وفيه رمز إلى إثبات النبوة، وهذا المعنى على القول بأن المراد من {فاعمل} إلخ فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك ظاهر، وأما على القول الأول فوجهه أن الدين هو جملة ما يلتزمه المبعوث إليه من طاعة الباعث تعالى بواسطة تبليغ المبعوث فهو مسبب عن نبوته المسببة عن دليلها فأظهروا بذلك أنهم منقادون لما قرر لديهم آباؤهم من منافاة النبوة للبشرية وأنه دينهم فقيل لهم ما قيل، وهو على هذا الوجه أكثر طباقًا وأبلغ، وهذا حسن دقيق وما ذكر أولا أسرع تبادرًا، وفي الكشف أن {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ} في مقابلة إنكارهم الاعجاز والنبوة وقوله: {فاستقيموا} يقابل عدم القبول وفيه رمز إلى شيء مما سمعت فتأمل.
وقرأ ابن وثاب والأعمش {قَالَ إِنَّمَا} فعلا ماضيًا، وقرأ النخعي والأعمش {يُوحَى} بكسر الحاء على أنه مبني للفاعل أي يوحي الله إلى أنما الهكم إله واحد.
{وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ} من شركهم بربهم عز وجل.
{الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} مبتدأ وخبر وهم الثاني ضمير فصل و{بالآخرة} متعلق بكافرون، والتقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة، والجملة حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في الدنيا وإنكارهم للآخرة، وحمل الزكاة على معناها الشرعي مما قاله ابن السائب، وروي عن قتادة والحسن والضحاك، ومقاتل، وقيل: الزكاة بالمعنى اللغوى أي لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة.
وعن مجاهد والربيع لا يزكون أعمالهم، وأخرج ابن جرير وجماعة عن ابن عباس أنه قال: في ذلك أي لا يقولون لا إله إلا الله وكذا الحكيم الترمذي وغيره عن عكرمة فالمعنى حينئذ لا يطهرون أنفسهم من الشرك، واختار ذلك الطيبي قال: والمعنى عليه فاستقيموا إليه التوحيد واخلاص العبادة له تعالى وتوبوا إليه سبحانه مما سبق لكم من الشرك وويل لكم إن لم تفعلوا ذلك كله فوضع موضعه منع إيتاء الزكاء ليؤذن بأن الاستقامة على التوحيد واخلاص العمل لله تعالى والتبري عن الشرك هو تزكية النفس، وهو أوفق لتأليف النظم، وما ذهب إليه حبر الأمة إلا لمراعاة النظم.
وجعل قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع مذكورًا على جهة الاستطراد تعريضًا بالمشركين وإن نصيبهم مقطوع حيث بم يزكوا أنفسهم كما زكوا، واستدل على الاستطراد بالآية بعد، وفي الكشف القول الأول أظهر والمشركون باق على عمومه لا من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كهذا القول وأن الجملة معترضة كالتعليل لما أمرهم به وكذلك {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} الآية لأنه بمنزلة وويل للمشركين وطوبى للمؤمنين، وفيهما من التحذير والترغيب ما يؤكد أن الأمر بالإيمان والاستقامة تأكيدًا لا يخفى حاله على ذي لب، وكذلك الزكاة فيه على الظاهر، وخص من بين أوصاف الكفرة منعها لما أنها معيار على الإيمان المستكن في القلب كيف، وقد قيل: المال شقيق الروح بل قال بعض الأدباء:
وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ ** به فأجبت المال خير من الروح

أرى حفظه يقضي بتحسين حالتي ** وتضييعه يفضي لتسآل مقبوح

والصرف عن الحقيقة الشرعية الشائعة من غير موجب لا يجوز كيف ومعنى الايتاء لا يقر قراره، نعم لو كان بدله يأتون كما في قوله تعالى: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} [التوبة: 54] لحسن، لا يقال: إن الزكاة فرضت بالمدينة والسورة مكية لأنا نقول: إطلاق الاسم على طائفة مخرجة من المال على وجه من القربة مخصوص كان شائعًا قبل فرضيتها بدليل شعر أمية بن أبي الصلت الفاعلون للزكوات، على أن هذا الحق على هذا الوجه المعروف فرض بالمدينة، وقد كان في مكة فرض شيء من المال يخرج إلى المستحق لا على هذا الوجه وكان يسمى زكاة أيضًا ثم نسخ انتهى. ومنه يعلم سقوط ما قاله الطيبي.
بقي مخالفة الحبر وهي لا تتحقق إلا إذا تحقق الرواية عنه وبعده الأمر أيضًا سهل، ولعله رضي الله تعالى عنه كان يقرأ {لا يأتون} من الإتيان إذ القراءة المشهورة تأبى ذلك إلا بتأويل بعيد، والعجب نسبة ما ذكر عن الحبر في البحر إلى الجمهور أيضًا، وحمل الآية على ذلك مخلص بعض ممن لا يقول بتكليف الكفار بالفروع لكن لا يخفى حال الحمل وهي على المعنى المتبادر دليل عليه ومن لا يقول به قال: هم مكلفون باعتقاد حقيتها دون إيقاعها والتكليف به بعد الإيمان فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان، وقيل: المعنى لا يقرون بفرضيتها، والقول بتكليف المجنون أقرب من هذا التأويل، وقيل كلمة {وَيْلٌ} تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلًا، وفيه بحث لا يخفى؛ هذا وقيل: في {مَمْنُونٍ} لا يمن به عليهم من المن بمعنى تعداد النعم، وأصل معناه الثقل فأطلق على ذلك لثقله على المممنون عليه، وعن ابن عباس تفسيرهبالمنقوص، وأنشدوا لذي الأصبع العدواني:
أني لعمرك ما بأبي بذي غلق ** عن الصديق ولا زادي بممنون

والآية على ما روي عن السدى نزلت في المرضى والهرمي إذا عجزوا عن كمال الطاعات كتب لهم من الأجر في المرض والهرم مثل الذي كان يكتب لهم وهم أصحاء وشبان ولا تنقص أجورهم وذلك من عظيم كرم الله تعالى ورحمته عز وجل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} استئناف ابتدائي هو تلقين الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيب قولهم: {فاعْمَل إنَّنَا عاملون} [فصلت: 5] المفرّعَ على قولهم: {قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إليهِ} [فصلت: 5] إلى آخره جوابَ المُتبرىء من أن يكون له حول وقوة ليعمل في إلجائهم إلى الإِيمان لمَّا أبوْه إذ ما هو إلا بشر مثلهم في البشرية لا حول له على تقليب القلوب الضالة، إلى الهدى، وما عليه إلا أن يبلغهم ما أوحَى الله إليه.
وهذا الخبر يفيد كناية عن تفويض الأمر في العمل بجزائهم إلى الله تعالى كأنه يقول: وماذا أستطيع أن أعمل معكم فإني رسول من الله فحسابكم على الله.
فصيغة القصر في {إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم} تفيد قصرًا إضافيًا، أي أنَا مقصور على البشرية دون التصرف في قلوب الناس.
وبيَّن مما تميَّز به عنهم على وجه الاحتراس من أن يتلقفوا قوله: {إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُم} تلقفَ من حصَّل على اعتراف خصمه بنهوض حجته بما يُثبت الفارق بينه وبينهم في البشرية، وهو مضمون جملة {يوحى إلَيَّ} وذلك للتسجيل عليهم إبطال زعمهم المشهور المكرر أن كونه بشرًا مانع من إرساله عن الله تعالى لقولهم: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرًا} [الفرقان: 7]، ونحوه مما تكرر في القرآن.
ومثل هذا الاحتراس ما حكاه الله عن قول الكفار لرسلهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن اللَّه يمن على من يشاء من عباده} [إبراهيم: 10، 11].
وحرصًا على إبلاغ الإرشاد إليهم بيَّن له ما يوحى إليه بقوله: {إنَّمَا إلهكم إله واحد} إعادة لِمَا أبلغهم إياه غيرَ مرة، شأنَ القائم بهدي الناس أن لا يغادر فرصة لإِبلاغهم الحق إلا انتهزها.
ونظيره ما جاء في محاورة موسى وفرعون {قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون} [الشعراء: 23 28].
و{أنما} مفتوحة الهمزة، وهي أخت {إنما} المكسورة وإنما تفتح همزتها إذا وقعت معمولة لما قبلها ولم تكن في الابتداء كما تفتح همزة أنَّ وتكسر همزة إن لأن إنَّمَا أو إنما مركبان من إنَّ أو أَنَّ مع ما الكافة الزائدة للدلالة على معنى ما وإلا حتى ذهب وَهَلُ بعضهم أن ما التي معها هي النافية اغترارًا بأن معنى القصر إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عما عداه مثلَ ما وإلاَّ ولا ينبغي التردد في كون أَنما المفتوحةِ الهمزة مفيدة القصرَ مثلُ أختها المكسورة الهمزة وبذلك جزم الزمخشري في تفسير سورة الأنبياء، وما رده أبو حيان عليه إنما هو مجازفة، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون} في سورة الأنبياء (108).